استراتيجية إسرائيل للسيطرة الكاملة على غزة: تحليل عميق للأبعاد والتداعيات

أ

أحمد علي (Ahmed Ali)

كاتب

وقت القراءة: 14 دقائق

استراتيجية إسرائيل للسيطرة الكاملة على غزة: تحليل عميق للأبعاد والتداعيات

في قلب شرق أوسط مضطرب، تتصاعد الأحداث في قطاع غزة لتصل إلى منعطف حاسم قد يعيد تشكيل مستقبل المنطقة بأكملها. منذ السابع من أكتوبر 2023، تحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مواجهة مفتوحة، حيث أطلقت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق. لكن التطورات الأخيرة تشير إلى تحول استراتيجي يتجاوز الأهداف المعلنة الأولية. ففي اجتماع أمني رفيع المستوى، وضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الطاولة ما وصفته مصادر إسرائيلية بخطة تهدف إلى تحقيق "السيطرة الكاملة" على القطاع. هذا التوجه لا يثير تساؤلات حول مستقبل الحكم في غزة فحسب، بل يعمق من الأزمة الإنسانية التي وصلت بالفعل إلى مستويات كارثية. في هذا المقال، نغوص في أعماق هذه الاستراتيجية الجديدة، محللين أبعادها التاريخية، وتفاصيلها العسكرية، وتداعياتها الإنسانية والسياسية، في محاولة لفهم ما يخبئه المستقبل لغزة وسكانها.

سياق تاريخي: جذور الصراع في قطاع غزة

لفهم الأبعاد الحقيقية للاستراتيجية الإسرائيلية الحالية، لا بد من العودة إلى الجذور التاريخية التي شكلت واقع قطاع غزة اليوم. فالحديث عن السيطرة ليس جديداً، بل هو فصل آخر في رواية طويلة ومعقدة من الاحتلال والصراع. هذه الخلفية ضرورية لتفكيك مصطلح "السيطرة الكاملة" وفهم ثقله في الذاكرة الفلسطينية والخطاب السياسي الإسرائيلي.

من السيطرة المباشرة إلى الانسحاب أحادي الجانب

بدأت حكاية السيطرة الإسرائيلية المباشرة على قطاع غزة عام 1967، عندما احتلته إسرائيل إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية. على مدار 38 عاماً، فرضت إسرائيل حكماً عسكرياً مباشراً، وأقامت مستوطنات، وتحكمت في كل تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين. كانت هذه الفترة بمثابة سيطرة فعلية وميدانية، شكلت وعي أجيال من الفلسطينيين تحت الاحتلال.

في عام 2005، اتخذت إسرائيل خطوة مفاجئة وغير متوقعة، حيث قامت بتنفيذ خطة "فك الارتباط" أحادية الجانب، والتي شملت إخلاء جميع المستوطنات وسحب قوات الجيش الإسرائيلي من داخل القطاع. قدمت إسرائيل هذه الخطوة على أنها نهاية لاحتلالها لغزة، لكن الفلسطينيين والعديد من المراقبين الدوليين رأوا فيها مجرد تغيير في شكل السيطرة، من سيطرة مباشرة إلى حصار وتحكم عن بعد، وهو ما مهد الطريق لفصل جديد وأكثر تعقيداً في تاريخ الصراع.

غزة ما بعد 2005: الحصار والنزاعات المتكررة

بعد الانسحاب، لم تتحول غزة إلى منطقة حرة ومستقلة. سرعان ما فرضت إسرائيل حصاراً برياً وبحرياً وجوياً خانقاً، تحكمت من خلاله في حركة الأفراد والبضائع، وفي كل مقومات الحياة الأساسية من كهرباء ومياه ووقود. هذا الحصار، الذي اشتد بعد سيطرة حركة حماس على القطاع في 2007، حول غزة إلى ما وصفه الكثيرون بأنه "أكبر سجن مفتوح في العالم".

أدت هذه الأوضاع إلى تفجر الأوضاع بشكل دوري، حيث شهدت غزة عدة حروب مدمرة (2008-2009، 2012، 2014، 2021)، خلفت آلاف الضحايا ودماراً هائلاً في البنية التحتية. كل جولة من العنف كانت تعمق الأزمة الإنسانية وتزيد من عزلة القطاع. في هذا السياق، يأتي الحديث اليوم عن استعادة "السيطرة الكاملة" ليعيد إلى الأذهان حقبة ما قبل 2005، ولكن في ظل ظروف أكثر دماراً وتعقيداً، مما يطرح أسئلة جوهرية حول شكل هذه السيطرة وما إذا كانت قابلة للتحقيق أو الاستدامة.

استراتيجية نتنياهو الجديدة: نحو السيطرة الكاملة؟

تمثل التطورات الأخيرة في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي نقطة تحول محورية. لم يعد الحديث يقتصر على تفكيك قدرات حماس العسكرية، بل امتد ليشمل رؤية أوسع وأكثر جذرية لمستقبل القطاع. يقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في قلب هذا التحول، حيث تشير التقارير إلى أنه يدفع باتجاه خطة تضمن لإسرائيل هيمنة أمنية شاملة وطويلة الأمد على غزة.

تفاصيل الاجتماع الأمني الأخير

في خطوة لافتة، عقد نتنياهو اجتماعاً أمنياً مطولاً في أوائل أغسطس، استمر لثلاث ساعات، وكان مخصصاً لبحث المرحلة التالية من الحرب. وفقاً لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة، فإن النقاشات تركزت حول خطة جديدة لتطويق مدينة غزة والمخيمات في وسط القطاع، وهو ما اعتبره البعض تمهيداً لـ"احتلال قطاع غزة". هذه المعلومات، إن صحت، تمثل تغييراً جوهرياً في الأهداف المعلنة للحرب، وتنقل الصراع إلى مرحلة جديدة كلياً.

الخطة المقترحة تتجاوز العمليات العسكرية المحدودة، وتتجه نحو فرض واقع جديد على الأرض. لم تعد الأهداف محصورة في الجانب العسكري، بل أصبحت تشمل إعادة رسم الخارطة الجغرافية والأمنية للقطاع بالكامل، مما يثير قلقاً دولياً وإقليمياً بالغاً بشأن مصير أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون هناك.

ماذا تعني "السيطرة الكاملة" على الأرض؟

إن مصطلح "السيطرة الكاملة" هو مصطلح فضفاض يمكن تفسيره بطرق متعددة، ولكن في السياق الحالي، تشير الدلائل إلى أنه قد يشمل عدة عناصر رئيسية. أولاً، قد يعني وجوداً عسكرياً إسرائيلياً دائماً داخل القطاع أو في مناطق عازلة على طول الحدود. هذا الوجود سيسمح لإسرائيل بالتحرك بحرية لتنفيذ عمليات أمنية ومنع أي محاولة لإعادة بناء القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية.

ثانياً، قد تتضمن السيطرة الكاملة تحكماً شاملاً في جميع المعابر الحدودية، بما في ذلك معبر رفح مع مصر، وهو ما سيمنح إسرائيل القدرة على التحكم المطلق في حركة الأفراد والبضائع. ثالثاً، قد تسعى إسرائيل إلى تفكيك أي شكل من أشكال الحكم المحلي القائم وإيجاد بديل إداري يضمن عدم تشكيله أي تهديد أمني لها في المستقبل. هذا السيناريو يعيد للأذهان نماذج الإدارة المدنية التي طبقتها إسرائيل في الماضي، وهو ما يرفضه الفلسطينيون بشكل قاطع.

الأهداف المعلنة مقابل الأهداف الكامنة

منذ بداية الحرب، كانت الأهداف المعلنة لإسرائيل هي القضاء على حماس، وإعادة الرهائن، وضمان عدم تحول غزة إلى تهديد أمني مجدداً. لكن الحديث عن "السيطرة الكاملة" قد يكشف عن أهداف أعمق وأكثر طموحاً. يرى بعض المحللين أن نتنياهو، تحت ضغط اليمين المتطرف في حكومته، يسعى إلى تحقيق "نصر حاسم" يعيد فرض قوة الردع الإسرائيلية بشكل كامل.

قد تكون هناك أيضاً أهداف سياسية داخلية، حيث يسعى نتنياهو إلى تقديم صورة القائد القوي الذي أعاد الأمن للإسرائيليين بعد فشل السابع من أكتوبر. ومع ذلك، فإن السعي لتحقيق هذه السيطرة المطلقة يتجاهل التكلفة البشرية الهائلة والتعقيدات السياسية والقانونية المترتبة على احتلال طويل الأمد لمنطقة مكتظة بالسكان، مما قد يغرق إسرائيل في مستنقع غزة لسنوات قادمة.

الأزمة الإنسانية في غزة: البعد الأكثر إلحاحاً

بعيداً عن الخطط الاستراتيجية والنقاشات الأمنية في الغرف المغلقة، هناك واقع ملموس ومأساوي على الأرض. إن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة ليست مجرد نتيجة ثانوية للصراع، بل هي في صميم الأحداث، وتتفاقم بشكل مباشر مع كل تصعيد عسكري. أي حديث عن استراتيجية جديدة يجب أن يوضع في سياق الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان يومياً.

تأثير العمليات العسكرية على المدنيين

أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة إلى دمار لم يسبق له مثيل في البنية التحتية المدنية. تم تدمير أحياء سكنية بأكملها، بالإضافة إلى المستشفيات والمدارس والجامعات ومحطات المياه والكهرباء. وقد أدى هذا إلى نزوح أكثر من 85% من سكان القطاع، حيث يعيش مئات الآلاف في خيام ومراكز إيواء مؤقتة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

الخسائر في الأرواح بين المدنيين مروعة، حيث تشير التقارير الصحية إلى عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، غالبيتهم من النساء والأطفال. هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم العنف، بل تشير أيضاً إلى أزمة صحية ونفسية عميقة ستستمر آثارها لأجيال قادمة. إن أي خطة تهدف إلى "السيطرة الكاملة" دون معالجة هذا الدمار ومصير النازحين ستكون وصفة لمزيد من المعاناة وعدم الاستقرار.

تحديات إيصال المساعدات والوضع الصحي

تفاقمت الأزمة بسبب القيود الشديدة المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية. على الرغم من المناشدات الدولية، لا تزال كمية المساعدات التي تدخل القطاع أقل بكثير من الاحتياجات الهائلة. يواجه السكان نقصاً حاداً في الغذاء والمياه النظيفة والأدوية، مما أدى إلى انتشار سوء التغذية والأمراض المعدية. لقد حذرت منظمات الإغاثة الدولية مراراً من أن غزة على شفا مجاعة حقيقية.

القطاع الصحي انهار بشكل شبه كامل. معظم المستشفيات إما خرجت عن الخدمة بسبب القصف أو نقص الوقود والمستلزمات الطبية، أو تعمل فوق طاقتها بكثير في ظروف بدائية. يضطر الأطباء إلى إجراء عمليات جراحية بدون تخدير، وتواجه الطواقم الطبية صعوبات جمة في التعامل مع العدد الهائل من الإصابات المعقدة. إن استمرار العمليات العسكرية وتوسيعها في إطار استراتيجية السيطرة الشاملة يهدد بالقضاء على ما تبقى من النظام الصحي، ويدفع بـالأزمة الإنسانية إلى مستويات لا يمكن تصورها.

تداعيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على المنطقة والعالم

إن ما يحدث في غزة لا يبقى حبيس حدودها الجغرافية الضيقة. فالاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة وتداعياتها الإنسانية ترسل موجات تصادمية عبر الشرق الأوسط والعالم، مما يعيد تشكيل التحالفات، ويثير توترات دبلوماسية، ويضع مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برمته على المحك.

المواقف الدولية والإقليمية

على الصعيد الإقليمي، تثير خطط نتنياهو لفرض السيطرة الكاملة قلقاً بالغاً لدى دول الجوار، خاصة مصر والأردن. تخشى مصر من أي سيناريو قد يؤدي إلى تهجير جماعي للفلسطينيين نحو سيناء، وهو ما تعتبره خطاً أحمر يمس أمنها القومي. أما الأردن، فيشعر بالقلق من أن تمتد تداعيات الصراع إلى الضفة الغربية، مما يهدد استقراره الداخلي.

دولياً، يزداد الانقسام في المواقف. بينما تواصل الولايات المتحدة تقديم دعمها العسكري والسياسي لإسرائيل، ترتفع الأصوات في أوروبا والعديد من دول العالم للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار والتحقيق في جرائم الحرب المحتملة. المحاكم الدولية، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، دخلت على الخط، مما يضيف بعداً قانونياً للصراع ويزيد من عزلة إسرائيل الدبلوماسية. إن أي خطوة نحو احتلال طويل الأمد لغزة ستزيد من حدة هذه المواقف وتضع حلفاء إسرائيل في موقف حرج.

مستقبل غزة في ظل السيناريوهات المطروحة

يطرح النقاش حول "اليوم التالي" للحرب في غزة سيناريوهات متعددة، يكتنفها جميعاً الغموض. السيناريو الذي يبدو أن نتنياهو يفضله، وهو السيطرة الأمنية الإسرائيلية المباشرة، يواجه تحديات هائلة. فهو يتطلب وجوداً عسكرياً مكلفاً بشرياً ومادياً، ومن المرجح أن يواجه مقاومة فلسطينية مستمرة، مما يحول غزة إلى عبء أمني دائم على إسرائيل.

هناك سيناريوهات أخرى يتم تداولها، مثل إدارة دولية أو عربية مؤقتة للقطاع، أو إعادة السلطة الفلسطينية لتولي المسؤولية. لكن كل هذه الخيارات تواجه عقبات كبيرة. الإدارة الدولية تتطلب توافقاً دولياً يصعب تحقيقه، بينما ترفض السلطة الفلسطينية العودة إلى غزة على "ظهر دبابة إسرائيلية"، وتشترط أن يكون ذلك في إطار حل سياسي شامل يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. في ظل هذا الانسداد، يبقى مستقبل غزة معلقاً، ويبقى سكانها هم الضحية الأكبر لهذا الصراع المعقد الذي يزداد تشابكاً يوماً بعد يوم.

خلاصة النقاط الرئيسية

  • تشير التطورات الأخيرة إلى تحول في استراتيجية إسرائيل، بقيادة نتنياهو، نحو فرض "سيطرة كاملة" على قطاع غزة، متجاوزة الأهداف العسكرية الأولية.
  • هذه الاستراتيجية الجديدة تأتي في سياق تاريخي طويل من السيطرة الإسرائيلية، وتثير تساؤلات حول العودة إلى شكل من أشكال الاحتلال المباشر.
  • مصطلح "السيطرة الكاملة" قد يعني وجوداً عسكرياً دائماً، ومناطق عازلة، وتحكماً شاملاً في المعابر، وتفكيكاً للسلطة المحلية القائمة.
  • تتسبب العمليات العسكرية في تفاقم كارثي لـ الأزمة الإنسانية، مع دمار هائل في البنية التحتية، ونزوح جماعي، وانهيار شبه كامل للقطاع الصحي.
  • الخطة الإسرائيلية لها تداعيات إقليمية ودولية خطيرة، وتزيد من تعقيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتجعل أي حل سياسي مستقبلي أكثر صعوبة.

أسئلة شائعة

ما هي أبرز ملامح استراتيجية نتنياهو الجديدة تجاه غزة؟

ترتكز الاستراتيجية الجديدة، كما تشير التسريبات، على تحقيق "سيطرة كاملة" أمنياً وعسكرياً على قطاع غزة. يتضمن ذلك خططاً لتطويق المدن والمخيمات الرئيسية، واحتمال إقامة وجود عسكري دائم أو مناطق عازلة، والتحكم المطلق في جميع جوانب الحياة لمنع أي تهديد مستقبلي، وهو ما يتجاوز الهدف المعلن سابقاً بتفكيك حماس فقط.

ماذا يعني مصطلح "السيطرة الكاملة" في سياق قطاع غزة؟

في هذا السياق، لا يعني المصطلح بالضرورة حكماً مدنياً مباشراً، بل يركز على الهيمنة الأمنية المطلقة. يشمل ذلك حرية الجيش الإسرائيلي في العمل داخل القطاع في أي وقت، والسيطرة على الحدود والمعابر، ومنع إعادة بناء أي قدرات عسكرية أو بنية تحتية قد تشكل تهديداً، وإيجاد ترتيبات إدارية تخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية أولاً وأخيراً.

كيف تؤثر الاستراتيجية العسكرية الجديدة على الأزمة الإنسانية في غزة؟

تؤدي الاستراتيجية الجديدة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل مباشر. فالعمليات العسكرية الواسعة النطاق اللازمة لفرض هذه السيطرة تتسبب في مزيد من الدمار والنزوح والضحايا المدنيين. كما أن إحكام السيطرة على المعابر يعيق وصول المساعدات الإنسانية الضرورية، مما يفاقم من خطر المجاعة وانهيار النظام الصحي، ويجعل الحياة اليومية للسكان شبه مستحيلة.

ما هو مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل هذه التطورات؟

إن التوجه نحو السيطرة الكاملة على غزة يعقد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل كبير ويقوض أي آفاق متبقية لحل الدولتين. فهو يكرس واقع الاحتلال والسيطرة بدلاً من البحث عن حل سياسي. من المرجح أن يؤدي هذا التوجه إلى استمرار دورات العنف، وتصاعد المقاومة، وزيادة العزلة الدولية لإسرائيل، مما يجعل السلام المستدام حلماً بعيد المنال.

خاتمة: مفترق طرق خطير

في الختام، تقف غزة اليوم على مفترق طرق هو الأخطر في تاريخها الحديث. إن الاستراتيجية التي يدفع بها نتنياهو نحو فرض "السيطرة الكاملة" لا تمثل مجرد تكتيك عسكري جديد، بل هي رؤية قد تعيد تعريف علاقة إسرائيل بالقطاع لعقود قادمة. هذه الرؤية، التي تتجاهل بشكل كبير التكلفة الإنسانية الباهظة والتعقيدات السياسية الهائلة، تهدد بإغراق المنطقة في دوامة من العنف لا تنتهي. إنها تحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من قضية تبحث عن حل سياسي إلى واقع دائم من الهيمنة والمقاومة، حيث يصبح المدنيون هم الوقود لهذه النار المشتعلة.

إن الأزمة الإنسانية المتفاقمة ليست مجرد ضرر جانبي، بل هي النتيجة الحتمية لهذه الاستراتيجية. فمن المستحيل فرض سيطرة عسكرية مطلقة على منطقة مكتظة بالسكان دون التسبب في معاناة إنسانية لا توصف. وبينما يركز القادة على الخرائط والخطط الأمنية، يموت الناس من الجوع والمرض والقصف. إن العالم، بأسره، مدعو اليوم إلى النظر إلى ما هو أبعد من الخطاب السياسي، وإلى إدراك حجم الكارثة الإنسانية، والضغط من أجل حل لا يقوم على السيطرة والقوة، بل على العدالة والكرامة الإنسانية لجميع الأطراف. يبقى الحوار البناء والتفاهم المتبادل، رغم صعوبتهما الآن، هما السبيل الوحيد لكسر هذه الحلقة المفرغة وبناء مستقبل يمكن للجميع أن يعيشوا فيه بسلام وأمان.